فصل: مسألة تزوجت رجلا فولدت منه ثم عمدت إلى أخت لها صغيرة فأرضعتها من لبنه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر وقد استهلكه:

وعن الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر، وقد استهلكه. قال: إذا أقر به فهو ضامن له. قيل: فقال: قد دفعته إليها، قال: إن كان دفعه إليها عينا فهو له ضامن؛ لأن الأبكار، ليس يدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن. قيل: فدخلت على زوجها، وزعم أنه جهزها بصداق كذا وكذا ودفعه إليها وأنكرت ذلك، قال: يحلف ويبرأ.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينيها على نصها في أول سماع أصبغ، والكلام عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى.

.مسألة تزوج امرأة وكان في صداقها خادم فدخل بها فطلبت الخادم:

وقال: في رجل تزوج امرأة، وكان في صداقها خادم، فدخل بها، فطلبت الخادم، فقال: قد صالحتني منها على دنانير، ودفعتها إليك، قال: لا يصدق الزوج؛ لأنه مدع قال: فإن أقرت بالصلح صدق، ولم يكن لها شيء، إذا قال: قد دفعتها إليك، وإن زعمت أنها لم تقبض شيئا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الزوج لا يصدق في دعواه دفع الدنانير إليها صلحا عن الخادم؛ لأنه مدع في شراء الخادم الذي عليه لها منها، ولا دليل له على ذلك؛ يصدق دعواه، فوجب أن يكون عليه إقامة البينة؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» فإن أقرت له بالصلح كان القول قوله في دفع الدنانير إليها؛ لأن تمكينها إياه من الدخول بها دليل على صحة دعواه في الدفع إليها، وبالله التوفيق.

.مسألة شرط أبو الجارية على أبي الزوج أنه إن أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي:

وعن نصراني تزوج نصرانية وشرط أبو الجارية على أبي الزوج: أنه إن أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي، قال: إن أسلم الزوج قبل أن يحتلم أو بعدما احتلم وقبل أن يبني، أو بعدما بنى، فلا شيء بيد امرأته، ولا بيد أبيها، ويسقط ذلك كله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الشروط المنعقدة بين الزوجين من أهل الذمة في نكاحهما لا تلزمهما بعد الإسلام، كانت مما يلزم أهل الإسلام، أو مما لا يلزم؛ لأنه لا يلزم أهل الإسلام منها إلا ما كان بعد يمين من طلاق أو تمليك، وذلك لا يلزم الكافر. وهذا معنى ما وقع في كتاب النكاح الثالث من المدونة على اختلاف في ذلك بين الروايات، يرجع جميعها إلى هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة يبعث من يزوجه فيزوجه ثم يموت الزوج ولا يدرى أقبل النكاح أو بعد:

وقال ابن القاسم في الذي يبعث من يزوجه، فيزوجه ثم يموت الزوج، ولا يدرى أقبل النكاح أو بعد؟ إنه لا ميراث بينهما حتى يعلم أنه مات بعده، وإن البينة على المرأة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لا يرث أحد أحدا بشك، والمرأة غير وارثة حتى يعلم أن النكاح وقع قبل موته، فعليها إقامة البينة على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه فتلد منه جارية:

وقال ابن القاسم في الرجل يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه، فتلد منه جارية: إنها لا تحل لابنه. وروى عيسى بن دينار، أنه لا بأس به. قال عيسى: وإنما هو بمنزلة ما لو تزوج امرأة فوطئها ثم طلقها أو مات عنها، ثم تزوجت زوجا فولدت جارية؛ أنه لا بأس به أن يتزوجها ابن الأول من غيرها، ولا بأس أن يتزوج ابنها من الآخر ابنة الأول من غيرها.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الأمهات في آخر هذا السماع، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد منه: إنه لا يحل للرجل أن يتزوج ابنة عبد أبيه من جارية قد وطئها أبوه بعيد. ورواية عيسى عنه: أنه لا بأس بذلك، هو الصحيح؛ إذ لا حرمة بينه وبينها، إلا أن يكون قد صار لها- أعني الجارية- ابن من وطء أبيه، فلم ينقطع عنها حتى تزوجها العبد، فحملت منه فوضعت وأرضعت ابنتها بذلك اللبن الذي كان أصله من أبيه، ولم ينقطع؛ لأنها تصير بذلك أخته للأب من الرضاعة، على ظاهر ما في المدونة، خلاف ما حكى ابن شعبان، وقال فيه: إنه إجماع من أن لبن المرأة ينقطع من زوجها الأول بوضعها من الثاني.
والمسألة التي شبهها بها عيسى هي مثلها سواء، يدخل كل واحد منهما ما يدخل صاحبتها؛ إذ لا فرق بين الوطء بالملك والنكاح، وبين العبد والحر فيما يوجب ذلك من حرمة النكاح، وقد أجمعوا أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج ما ولدت امرأة أبيه قبل أبيه، واختلفوا هل يجوز له أن يتزوج ما ولدت بعد أبيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز، وهو قول مالك وكافة أصحابه العلماء، ورواية عيسى، عن ابن القاسم هنا. والثاني: أن ذلك لا يحل، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه، وقد ذكرنا بعد ذلك، وأنه لا يصح إذا لم ترضعها بلبن لم ينقطع من أبيه. والثالث: أن ذلك مكروه، حكى ذلك ابن حبيب، عن طاوس، وما للكراهية في ذلك عندي وجه، إلا إن كانت أمها أرضعتها بلبن زوجها الثاني، فينفي أن يكون وطء زوجها الأول وهو الأب، قد زاد في لبنها من الزوج الثاني، وإن كان قد انقطع من الأول، أو لم يكن لها منه لبن أصلا.
وإن كانت ولدتها لما تلحق من الأنساب من أبيه، مخافة أن يكون الولد منه؛ لاحتمال أن يكون أهريقت عليه الدم كذا فجش الولد في بطنها، وظنت أن ذلك حيض انقضت به عدتها فتزوجت، فلما أصاب الولد الماء، تحرك الولد، ووضعته لما يلحق بها الأنساب من أبيه، فهذا له وجه أيضا. وإلا فلا، والله ولي التوفيق.
تم كتاب النكاح بحمد الله وحسن عونه وتأييده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

.كتاب الرضاع:

.مسألة يفارق امرأته وهي ترضع فتكون موسرة وهو معسر لا يجد ما يسترضع به:

كتاب الرضاع من سماع عبد الرحمن بن القاسم، من مالك، رواية سحنون من كتاب أوله: أخذ يشرب خمرا قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في الرجل يفارق امرأته وهي ترضع، فتكون موسرة وهو معسر، لا يجد ما يسترضع به، أترى أن تلزم رضاعه؟ قال: نعم، إلا أن تكون لا تقوى على ذلك، فقيل له: فإن أيسر يوما، أتراه أن تتبعه بما أرضعته؟ قال: لا أراه تتبعه بذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: إن المرأة المطلقة تلزم رضاع ولدها إذا لم يكن للأب مال، معناه إذا لم يكن للولد مال أيضا، فإذا لم يكن لواحد منهما مال، ولها لبن ومال، كانت مخيرة بين أن ترضع ولدها، أو تسترضع له من مالها، قال ذلك مالك هاهنا، وابن القاسم في سماع أصبغ.
وقد قيل: إن ذلك لا يلزمها، ولا رجوع لها على من أيسر منهما بشيء، كانت قد أرضعته أو استرضعها له من مالها؛ لأن ذلك قد سقط عنهما بعدمهما؛ لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وتوجه عليها بقول الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] لأنه محمول على عمومه في ذات الزوج، والمطلقة مع عسر الأب، والدليل على وجوب الرضاع على الأب إذا فارق وله مال، قول الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6] فمن حق المرأة المطلقة أن ترضع ولدها بأجر مثلها، واختلف إذا وجد الأب من يرضعه له باطلا أو بدون أجرة مثلها وهو موسر، فقيل: لا كلام له في ذلك، وللأم أن ترضعه بأجرة مثلها، وهو قول مالك في المدونة، وقيل: إن الأم إن لم ترد أن ترضعه باطلا أو بما وجد كان له أن يدفعه إلى من يرضعه له باطلا أو بما وجد.
وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، ومعنى ذلك إذا أرضعته عند أمه ولم يخرجه من حضانتها. وأما إن أبت الأم أن ترضعه، فيستأجر له الأب من يرضعه، وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وما دامت المرأة في عصمة الزوج، فعليها رضاع ولدها، إلا ألا يكون لها لبن، أو تكون شريفة لا ترضع مثلها، ويقبل الولد غيرها، فيكون على الأب أن يسترضع له من ماله، وبالله التوفيق.

.مسألة لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل الأم:

قال: وقال مالك: إن رجلا أفتى بالرضاعة بشيء، كأنه لم يرها إلا من قبل الأم، فقال له عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: لا تفت بفتيا، لا تتقلب من الليل في فراشك إلا ذكرته.
قال محمد بن رشد: الصحيح الذي عليه فقهاء الأمصار، أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل الأم؛ بدليل حديث عائشة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في شان عمها: أفلح، أخي أبي القعيس، وقد كرهته طائفة من العرب، ورخصت فيه أخرى، فأنكر عبد الله بن أبي بكر على من رخص فيه، ورأى أن ذلك لا يقوله إلا من لم ينعم النظر، ونهاه أن يفتي في شيء من الأشياء دون تدبر صحيح، فيندم على ذلك متى ما تذكر، مخافة أن يخرج بالتقصير عما يلزمه من بلوغ الاجتهاد، وبالله التوفيق.

.مسألة يسافر مع أخته من الرضاعة هل هو ذا محرم:

ومن كتاب مساجد القبائل:
وسئل مالك عن الرجل يسافر مع أخته من الرضاعة، هل تراه ذا محرم؟ قال: نعم، أراه ذا محرم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] إلى قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، وقال الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة»، فلا اختلاف أعلمه في أن ذوي المحارم من الرضاعة كذوي المحارم من النسب في جميع الأحكام، إذا كان التحريم من قبل الأم المرضعة، ولم يكن من قبل الفحل الذي اللبن منه، للاختلاف الذي جاء في لبن الفحل، فقد روي عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أنه كان يدخل عليها من أرضعه بنات أختها وبنات أخيها، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، فرخص في لبن الفحل جماعة من العلماء؛ لما جاء عن عائشة فيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة المتجالة تسافر مع غير ولي إلى مكة:

وسئل مالك عن المرأة المتجالة، تسافر مع غير ولي إلى مكة، قال: تخرج في جماعة من النساء، وناس مأمونين لا تخافهم على نفسها.
قال محمد بن رشد: قوله: إلى مكة يريد في حجة الفريضة، وذكر المتجالة إنما وقع في السؤال، فخرج الجواب عليه، فلا يستدل بذلك على أن غير المتجالة بخلاف المتجالة، بل المتجالة وغير المتجالة. في ذلك سواء عند مالك. هذا قوله في الموطأ وغيره؛ لأن عدم المرأة التي لا زوج لها، أو لها زوج لا يريد الخروج معها وليا يخرج معها لا يسقط فرض الحج عنها، بدليل إجماعهم على أنها إذا أسلمت في بلاد الحرب، يجب عليها الهجرة إلى بلد الإسلام، وإن لم يكن معها ذو محرم، فهذا مخصص من عموم قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها»، بالإجماع، وحجها مع غير ذي محرم إذا لم يكن لها محرم، ولا زوج يحج معها، مخصص منه بالقياس، على ما أجمعوا عليه.
وقد اختلف ألفاظ الأحاديث في حد السفر الذي لا يجوز للمرأة أن تسافره إلا مع ذي محرم منها أو زوج، ففي بعضها البريد، وفي بعضها اليوم، وفي بعضها الليلتين، وفي بعضها ثلاثة أيام، وفي بعضها ألا تسافر المرأة ومعها ذو محرم دون حد. واختلف على ذلك كله الفقهاء، فمنهم من لم يحد للمرأة أن تسافر مع ذي محرم سفرا قريبا ولا بعيدا، وإن كان أقل من بريد، وهو مذهب أهل الظاهر، ومنهم من حد لها في ذلك البريد، ومنهم من حد لها في ذلك اليوم، ومنهم من حد لها في ذلك الليلتين، ومنهم من حد لها في ذلك مسيرة ثلاثة أيام، وهو مذهب أبي حنيفة. ومن مذهبه أن المرأة إذا كانت بينها وبين مكة ثلاثة أيام أو أكثر، ولم يكن لها زوج ولا ذو محرم يخرج معها، ففرض الحج سقط عنها، وقد تقدمت الحجة عليه في ذلك لمالك. وذهب مالك إلى أن الحد لا ذلك مسيرة يوم وليلة، على ما في روايته في حديث الموطأ، وجعل ذلك أصلا فيما يقصر فيه الصلاة، كما جعل أبو حنيفة مسيرة الثلاثة أيام التي ذهب إليها في ذلك حدا تقصر فيه الصلاة.

.مسألة تزوج أمة فولدت منه ثم أعتق سيد الأمة ولده منها:

ومن كتاب أوله باع غلاما:
وسئل عن رجل تزوج أمة، فولدت منه، ثم أعتق سيد الأمة ولده منها، قال: إن الرضاع عليه.
قال محمد بن رشد: الهاء من عليه عائدة على الزوج، لا على السيد المعتق؛ لأن السيد لما أعتقه صار حرا، فسقطت عنه نفقته، ووجبت على أبيه، ولو كان أبوه معدما أو لم يكن له أب لما سقط عنه رضاعه ونفقته في حال صغره؛ لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه، فنفقته عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة تزوجت رجلا فولدت منه ثم عمدت إلى أخت لها صغيرة فأرضعتها من لبنه:

ومن سماع أشهب، وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الطلاق الثاني قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن امرأة تزوجت رجلا فولدت منه، ثم عمدت إلى أخت لها صغيرة، فأرضعتها من لبن ذلك الرجل، ثم مات فتزوجت بعده زوجا غيره، وقد شمت أختها التي أرضعت، فهي أختها وابنتها من لبن زوجها الأول، أفتراها تحرم على زوجها الآخر؟ قال: نعم، أراها من الربائب، هي بنت امرأته، فقيل: أينظر إلى شعرها ويدخل عليها وتدخل عليه؟ قال: نعم، ينظر إلى شعرها، ويدخل عليها، وهي منه بحرمة، قال الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23].
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجل إذا تزوج المرأة ودخل بها، حرم عليه كل ما ولدت من غيره أو أرضعته قبل أن يتزوجها أو بعد أن تزوجها؛ لقول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]، وقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة»، وقوله في الرواية: إنها ولدت من الزوج الأول، وإنها أرضعت أختها بلبنه، لا تأثير له في تحريمها على الزوج الثاني، سواء ولدت منه أو لم تلد، وسواء أرضعت بلبنه، أو بلبن من غير زوج تحرم على الزوج الذي دخل بها؛ لأنها قد صارت ابنتها من الرضاعة بإرضاعها إياها في حولي رضاعها كيف ما كان، وإنما جرى ذلك في السؤال وصفا للحال على ما كان.

.مسألة يطلق امرأته، ولها منه ولدا هل لها أن تطرح ولده من ساعتها:

ومن كتاب الطلاق الثالث:
وسئل عن الرجل يطلق امرأته، ولها منه ولدا، ألها أن تطرح ولده من ساعتها؟ فقال: لا حتى يلتمس له مرضعا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ قال الله عز وجل: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] ليس له أن يأخذ ولده منها إذا أحبت أن ترضعه، ولا لها أن تطرحه إليه إذا لم يجد من يرضعه، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم القول فيما ترضعه به من الأجرة إذا أحبت رضاعه، وما في ذلك من الاختلاف، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به أيحرم بذلك الرضاع:

ومن كتاب الطلاق:
قال: وسمعته، وسئل عن المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به، أيحرم بذلك الرضاع؟ فقال: نعم، يحرم بذلك، أليس بلبن؟ فقال: بلى، فقال: نعم، يحرم بذلك، وليس ذلك بصواب. وأخاف أن تكون هذه علة، كلما فجرت امرأة وكثر لبنها قالت هذا القول، قيل له: بلغنا أن رجلا شربها فدر حتى أرضع، فقال: بلغك الباطل والزور، وإنما يحدثك بها قوم نفاق. قال الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] يجيء الرجل يرضع.
قال محمد بن رشد: قوله: إن المرأة إذا در لبنها بشيء تشربه فأرضعت به، إنه لبن يحرم، هو مثل ما في المدونة من أن لبن الجارية البكر يحرم، وأن لبن النساء يحرم على كل حال، بظاهر قول الله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ولم يخص ذات زوج ممن لا زوج لها، وكره للنساء شرب هذه الشجرة، التي يزعمن أنها تدر اللبن من غير وطء، ولم يحقق ما يزعمن من ذلك، وخشي أن يكون ذلك من قول الفواجر وما يعتذرن به إذا كثر لبنهن من الفجور، ولما قيل له: إن رجلا شربها فدر له لبن أرضع به، أنكر ذلك، وقال: إنه باطل وزور، وهو كما قال؛ لأن ذلك خرق عادة، وقد أجرى الله الأمور على عوائد، فهو لا يخرقها في غير خرق العادات إلا معجزة للأنبياء، أو كرامة للأولياء، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة المسلمة ترضع ولد النصراني:

وسألته عن المرأة المسلمة ترضع ولد النصراني، فقال: أما أن تعطيه ثديها، فلا أرى بذلك بأسا، وأما أن تذهب فتكون عندهم في بيوتهم فلا يعجبني، وكرهه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن ترضع ولد النصراني في بيته، فإن ذلك لها مكروه من وجه امتهانها له، فإن آجرت نفسها منه ظئرا على ذلك، فسخت إجارتها. فإن ماتت مضت، ولم تحرم الأجرة؛ لأن أجرة المسلم نفسه من النصراني أو اليهودي على أربعة أقسام: جائزة، ومكروهة، ومحظورة، وحرام؛ فالجائزة: أن يعمل له عملا في بيت نفسه أو حانوته، كالصانع يعمل للناس، فلا بأس أن يعمل من غير أن يستبد بعمله. والمكروهة: أن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده، مثل أن يكون مقارضا أو مساقيا. والمحظورة أن يؤجر نفسه منه في عمل يكون فيه تحت يده، كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة نفسها منه لترضع له ابنه في بيته، وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكانت له الأجرة، والحرام أن يؤاجر نفسه منه لما لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها قبل العمل، فإن فاتت بالعمل تصدق بالأجرة على المساكين، ولم يسوغ إياها.

.مسألة تزوج امرأة كانت تقول لزوجها الذي تزوجها قبل ذلك أخي أخي:

وسئل عن رجل تزوج امرأة، شهد عليها أنها كانت تسمع تقول لزوجها الذي تزوجها قبل ذلك: أخي أخي، فقال: لا أرى هذا شيئا يحرم نكاحها، وهو أمر لم أسمع أحدا يذكره، وهو ابن خالها، ولم يعلم، وهذا من كلام الناس، تقول المرأة للرجل: أخي أخي، للرجل الذي لا قرابة بينها وبينه، تريد أن تقربه بذلك، لا أرى هذا في رأيي يحرم، هذا من أكثر كلام الناس، ولا أرى عليك في ذلك شيئا، فأقم مع امرأتك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وإخوة لبعض؛ قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه السلم» الحديث، وقال عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من حق المسلم على أخيه أن يسلم عليه إن لقيه» الحديث، فوجب ألا يكون ما سمع من قول المرأة للرجل قبل أن تتزوجه: أخي أخي، مما يحرم عليه نكاحها، ولا المقام معها إذا نكحها؛ لأنها تقول ذلك على وجه الإطلاق والتقريب، وقد يقول ذلك الرجل للمرأة قبل أن يتزوجها، فلا يحرم ذلك عليه نكاحها، وقد يقول لامرأته يا أختي، فلا يكون ذلك طلاقا، ولا يعد ذلك فراقا، كما أنه قد يقول الرجل للصبي الذي لا يعرف له نسب يا بني افعل كذا وكذا، ولا تفعل كذا وكذا، فلا يعد ذلك استلحاقا منه له، ولا إقرارا به.

.مسألة أولم بعد الدخول:

وسئل فقيل له: أترى إن أولم بعد الدخول؟ فقال: ليس بذلك بأس، أنا أرى أن يفعل ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المعنى الذي من أجله أمر الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ بالوليمة، وحض عليه بقوله لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة.» هو ما قاله ربيعة في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، من إشهار النكاح وإظهاره ومعرفته؛ لأن الشهود يهلكون، فإذا كان ذلك هو المعنى في الوليمة، فلا تفوت بالدخول. ويستحب للرجل إذا لم يولم عند الدخول، أن يولم بعده، ليشهر بذلك نكاحه ويظهره، وبالله التوفيق.

.مسألة أرضعت امرأة ابنا لي ألي أن أتزوج ابنتها:

قال: وسئل فقيل له: أرأيت إذا أرضعت امرأة ابنا لي، ألي أن أتزوج ابنتها؟ فقال: نعم، وما بينك أنت وبينها لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن إرضاع المرأة ابنه لا توجب حرمة بينه وبين ابنتها؛ لأنها لا تصير بذلك ابنة له، وإنما تصير أختا لابنه، فالحرمة إنما هي بين ابنه وابنتها، هو الذي لا يحل له نكاحها؛ لأن حرمة الرضاع لا تسري من قبل المرضع إلا إلى ولده الذكور والإناث، وإن سفلوا، فيجوز له أن يتزوج ابنة المرأة التي أرضعت ابنه؛ لأنها أخت ابنته من الرضاعة، ويجوز للمرأة التي أرضعت ابن الرجل، أن تتزوج أخو الولد الذي أرضعت، إذ لا حرمة بين الولد والمرأة وبين أبي أختها من الرضاعة، ولا بين الرجل وأم أخيه من الرضاعة، والرضاع في هذا بخلاف النسب، لا يحل للرجل أن يتزوج أم أخته من النسب؛ لأنها زوجة أبيه، ولا يحل للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب؛ لأنها ربيبة، وأما نكاح الرجل أخت أخيه، أو أخت عمته، أو عمة عمته، فذلك جائز في الرضاع والنسب، إذ لا حرمة بينه وبين واحدة منهن.

.مسألة يزوج ابنه صغيرا امرأة كبيرة ثم يباري عنه فيتزوج المرأة أجنبي:

من سماع عيسى عن ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها وسئل عن الرجل يزوج ابنه صغيرا امرأة كبيرة، ثم يباري عنه، فيتزوج المرأة أجنبي، فترضع تلك المرأة الصبي الذي بارأت، قال: تحرم على زوجها؛ لأنها حليلة ابنه؛ لأن الصغير كان زوجها وهي حليلة له، وقد صار ولدا لزوجها الأجنبي؛ لأنه رضع من لبنه، فقد صار ابنه من الرضاعة.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن المرأة إذا أرضعت صبيا بلبن رجل صار ابنها من الرضاعة، وابنا لزوجها الذي كان اللبن منه من الرضاعة، فلما صار ابنا لزوجها، حرمت على زوجها، إذ قد كانت زوجة له، ولا يحل للرجل أن يتزوج زوجة ابنه؛ لقول الله عز وجل: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23]، وليس في قول الله عز وجل: {مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] دليل على أن حلائل الأبناء من الرضاع حلال؛ لأن ذلك إنما جاء تحليلا لحلائل الأبناء الأدعياء، لا لحلال الأبناء من الرضاعة، وذلك أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لما تزوج بنت جحش وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة الذي كان تبناه، قال المنافقون: وقد كان ينهى عن ذلك، فأنزل الله عز وجل تجويز الفعلة: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23]، وأنزل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا} [الأحزاب: 37].

.مسألة يسترضع ولدا من امرأة له قد طلقها:

وسئل عن الرجل يسترضع ولدا من امرأة له قد طلقها، أو من غيرها، فيعطيها رضاع سنة ثم يموت الأب، قال: إذا مات الأب كان ما بقي من أجر السنة التي بقيت بين الورثة؛ لأنه إنما كان يجب عليه رضاعه ما كان حيا، قيل له: فلو كان ابنه غلاما يأكل الطعام، وهو عند أم له قد طلقها، فهو يجري له النفقة عندها، فقدم إليها نفقة سنة، فمات، أو فلس بعد ستة أشهر، قال: إذا مات فما بقي من النفقة فهو للورثة، وأما إذا فلس، فإن كان حين جعل ذلك هو جائز الأمر قائم الوجه، ولم يأت في ذلك منه سرف ولا محاباة، ولا أمر يتهم عليه، فذلك جائز، وإن كان على غير ذلك، رد ما بقي عنده من النفقة. قد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب، في الرجل يدفع إلى امرأته نفقة ولده، وقد طلقها، فيدفع إليها نفقة كثيرة، ثلاثين دينارا ونحوها ثم يفلس، قال: إن كان يوم دفع إليها عليه دين يحيط بماله، أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء.
قال محمد بن رشد: قوله فيما قدم الرجل من أجرة رضاع ابنه، أو من نفقته إلى التي ترضعه أو تحضنه: إن الابن لا يستوجب ذلك، كالعطية المحوزة، إذ لم يدفعه على وجه العطية له، وإنما دفع ما يرى أنه لازم له، وهو لا يلزمه إلا ما كان حيا، ويكون ما بقي من ذلك إن مات الأب موروثا عنه، هو مثل قوله في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، خلاف قول أشهب وروايته عن مالك، في أن ذلك كالعطية للابن يستحقها طول حياته، وإن مات الأب، وإن مات هو في حياة الأب رجع ما بقي منها إليه، كالعبد المخدم حياة المخدم، إن مات المخدم استحقه المخدم طول حياته، وإن مات المخدم رجع العبد إلى سيده المخدم، فكان القياس على قول ابن القاسم، إذ لم يراع تقديم الأب، فيما قدم من أجرة رضاع ابنه أو نفقته، وجعل ذلك كأنه في يده، يكون لورثته إن مات، ما بقي من ذلك أن يكون لغرمائه إن فلس ما بقي من ذلك أيضا، وإن كان يوم دفع ذلك وقدمه لا دين عليه، ولا يترك له من ذلك إلا قدر ما يترك للمفلس، إذا فلس من نفقة ولده الصغير، وذلك نفقة الأيام، على قوله في المدونة، والشهر على ما في الواضحة.
فقوله: إنه إن كان يوم دفع ذلك قائم الوجه، جائز الأمر، جاز ذلك للابن، إنما يصح على مذهب أشهب، وروايته عن مالك، الذي يرى ذلك عطية محوزة للابن، ويريد بقوله قائم الوجه جائز الأمر، أن يكون المفلس مأمونا عليه، مع كثرة ما عليه من الديون، مع ألا يتحقق أنها مستغرقة لجميع ماله، فيقوم من قوله هذا أن من وهب أو تصدق أو حبس أو أعتق، وهو غريم لقوم بديون كثيرة، إلا أنه قائم الوجه غير مخوف عليه الفلس، أن أفعاله غير مردودة، وإن لم يخص الشهود قدر ما معه من المال، وما عليه من الدين، وبهذا كان يفتي ابن زرب، ويستدل بهذه الرواية ويقول: لا يخلو أحد من أن يكون عليه دين. وقوله صحيح، واستدلاله حسن.
وأما إذا علم أن ما عليه من الدين يستغرق ما بيده من المال، فلا يجوز له هبة ولا عتق ولا عطية، ولا شيء من المعروف، ويجوز له أن يتزوج منه، وأن ينفق منه على ولده الذين يلزمه الإنفاق عليهم، وأن يؤدي منه ما لزمه من عقل جرح خطأ، أو عمد لا قصاص فيه، ولا يجوز له أن يؤدي منه عن جرح يجب عليه فيه القصاص. هذا معنى قول مالك في المدونة وغيرها، وبه يقول ابن القاسم؛ فقوله في آخر المسألة في الذي دفع ثلاثين دينارا أو نحوها لنفقة ابنه، ثم فلس: إنه إن كان يوم دفع ذلك عليه دين يحيط بماله أخذ ذلك كله منها؛ لأنه فار بماله، صحيح؛ لا اختلاف فيه إذا فلس بحدثان دفعها قبل أن ينفق منها شيء، وأما إن فلس بعد أن أنفق بعضها، فإنما يرد ما بقي منها، إذ من حق المديان أن ينفق على ولده مما بيده من المال، وإن كانت الديون مستغرقة له، ما لم يفلس.
وأما قوله فإن لم يكن عليه دين لم يؤخذ منها شيء، فقد بينا أن ذلك إنما يصح على قول أشهب وروايته عن مالك، لا على أصل ابن القاسم، وقد مضى في رسم العشور من سماع عيسى، من كتاب النكاح، طرف من هذا المعنى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق.